فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ}.
قرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم: {ترجىء} بالهمزة.
وقرأ الباقون: بغير الهمز.
كلاهما في اللغة واحد، وأصله من التأخير.
يقول: تؤخر من تشاء منهن ولا تتزوجها {مِنْهُنَّ وَتُئْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء} يعني: تضم فتتزوجها لخيره في تزويج القرابة.
ويقال: تطلق من تشاء منهن، وتمسك من تشاء.
وقال قتادة: جعله في حل أن يدع من يشاء منهن، ويضم إليه من يشاء.
يعني: إن شاء جعل لهن قسمًا، وإن شاء لم يجعل.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم.
وقال الحسن: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة فليس لأحد أن يخطبها حتى يتزوجها أو يدعها، وفي ذلك نزل: {تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ}.
ثم قال: {وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ} يعني: أشرت ممن تركت {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} يعني: لا إثم عليك {ذَلِكَ أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} أي: ذلك أجدى وأجدر إذا علمن أنك تفعل بأمر الله أن تطمئن قلوبهن {وَلاَ يَحْزَنَّ} مخافة الطلاق {وَيَرْضَيْنَ بِمَا ءاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} من النفقة، إذا علمن أنه من الله عز وجل.
وقرىء في الشاذ: {كُلُّهُنَّ} بالنصب صار نصبًا لوقوع الفعل عليه وهو الإعطاء.
وتقرأه العامة: {كُلُّهُنَّ والله} بالضم.
ومعناه: يرضين كلهن بما أعطيتهن.
ثم قال: {والله يَعْلَمُ مَا في قلُوبِكُمْ} من الحب والبغض {وَكَانَ الله عَلِيمًا} بما في قلوبكم {حَلِيمًا} بالتجاوز.
قوله عز وجل: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ} قال مجاهد: أي لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات {مِن بَعْدِ} يعني: من بعد المسلمات، {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}.
يقول: لا تبديل اليهوديات، ولا النصرانيات على المؤمنات.
يقول: لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية إلا ما ملكت يمينك من اليهوديات والنصرانيات يتسرى بهن.
قال الحسن وابن سيرين: خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم، نساءه بين الدنيا والآخرة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فشكر الله لهن على ذلك، فحبسه عليهن.
فقال: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ} {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} يعني: لا يحل لك أن تطلق واحدة منهن، وتتزوج غيرها.
قرأ أبو عمرو: {لاَ تُحِلُّواْ} بالتاء بلفظ التأنيث.
وقرأ الباقون: بالياء، بمعنى لا يحل لك من النساء شيء.
ويقال: معناه لا تحل لجميع النساء.
فمن قرأ: بالتاء بالتأنيث يعني: جماعة النساء.
ثم قال: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} يعني: أسماء بنت عميس أراد أن يتزوجها، فنهاه الله تعالى عز وجل عن ذلك، فتركها وتزوجها أبو بكر رضي الله عنه بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} من السريات {وَكَانَ الله على كُلّ شيء رَّقِيبًا} من أمر التزويج {رَقِيبًا} يعني: حفيظًا.
وروى عمرو بن دينار، عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حلّ له النساء بعد قوله: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء}.
قوله عز وجل: {رَّقِيبًا يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى} وذلك أن أناسًا من المسلمين كانوا يتحينون غذاء النبي صلى الله عليه وسلم، ويدخلون عليه بغير إذن، ويجلسون وينتظرون الغداء، وإذا أكلوا جلسوا طويلًا، ويتحدثون طويلًا، فأمرهم الله عز وجل بحفظ الأدب فقال: {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى} {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ} يعني: إلا أن يدعوكم ويأذن لكم في الدخول {غَيْرَ ناظرين إناه} يعني: من غير أن تنتظروا وقته.
ويقال: أصله إدراك الطعام يعني: غير ناظرين إدراكه.
ويقال: {إناه} يعني: نضج الطعام.
ثم قال: {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا} يعني: إذا دعاكم إلى الطعام فادخلوا بيته {فَإِذَا طَعِمْتُمْ} الطعام {فانتشروا} يعني: تفرقوا {وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} أي: لا تدخلوا مستأنسين للحديث {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النبى فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ} أن يقول لكم تفرقوا {والله لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ الحق} يعني: من بيان الحق أن يأمركم بالخروج بعد الطعام.
قال الفقيه أبو الليث: في الآية حفظ الأدب والتعليم أن الرجل إذا كان ضيفًا لا ينبغي أن يجعل نفسه ثقيلًا، ولكنه إذا أكل ينبغي أن يخرج.
ثم قال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ متاعا} يعني: إذا سألتم من نسائه متاعًا {يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ} ولا تدخلوا عليهن، واسألوا من خلف الستر.
ويقال: خارج الباب {ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من الريبة.
ثم قال: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} قال: وذلك أن طلحة بن عبيد الله قال: لئن مات محمد لأتزوجن بعائشة فنزل: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} {وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا} يعني: ولا أن تتزوجوا أزواجه من بعد وفاته أبدًا {إِنَّ ذلكم كَانَ عِندَ الله عَظِيمًا} في العقوبة.
ويقال: إنما نهى عن ذلك لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة.
وروي عن حذيفة أنه قال لامرأته: إن أردت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تتزوجي بعدي، فإن المرأة لآخر أزواجها.
ولذلك حرم الله تعالى على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجن بعده.
وروي أن أم الدرداء قالت لأبي الدرداء عند موته إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحاك.
وإني أخطبك إلى نفسي في الآخرة فقال لها فلا تنكحي بعدي، فخطبها معاوية بن أبي سفيان فأخبرته بالذي كان، وأبت أن تتزوجه.
وروي في خبر آخر بخلاف هذا أن أم حبيبة قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المرأة منا كان لها زوجان لأيهما تكون في الآخرة؟ فقال: «إنَّهَا تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمَا خُلُقًا مَعَهَا».
ثم قال: «يا أمَّ حَبِيبَةَ إنَّ حُسْنَ الخُلُقِ ذَهَبَ بالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ».
ثم قال عز وجل: {إِن تُبْدُواْ شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} يعني: إن تظهروا من أمر التزويج شيئًا أو تسروه وتضمروه {فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلّ شيء عَلِيمًا} من السر والعلانية.
يعلم ما أعلنتم وما أخفيتم، يجازيكم به.
ثم خصّ الدخول على نساء ذوات محرم بغير حجاب فرخّص في ذلك وهو قوله عز وجل: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ في ءابَائِهِنَّ} يعني: من الدخول عليهن {وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء أخواتهن وَلاَ نِسَائِهِنَّ} يعني: نساء أهل دينهن {وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من الخدم {واتقين الله} يعني: اخشين الله، وأطعن الله، فلا يراهن غير هؤلاء {إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شيء شَهِيدًا} يعني: عالمًا بأعمالهم.
قوله عز وجل: {إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى} والصلاة من الله الرحمة والمغفرة، ومن الملائكة عليهم السلام الاستغفار.
يعني: أن الله عز وجل يغفر للنبي، ويأمر ملائكته بالاستغفار والصلاة عليه.
ثم أمر المسلمين بالصلاة عليه فقال: {النبى يا أيها الذين ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ} روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة أنه قال: قلنا يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» إلى آخِرِهِ.
وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صَلَّوا عَلَيَّ، فإنَّ الصَّلاة عَلَيَّ زَكَاةٌ لَكُمْ وَاسْأَلُوا الله لِيَ الوَسِيلَةَ».
قالوا: وما الوسيلة يا رسول الله؟ قال: «أعْلَى دَرَجَةٍ فِي الجَنَّةِ لا يَنَالُهَا إلاَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ».
وروى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ».
ويقال: ليس شيء من العبادات أفضل من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن سائر العبادات أمر الله تعالى بها عباده.
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد صلى عليه أولًا هو بنفسه، وأمر الملائكة بذلك، ثم أمر العباد بذلك.
ثم قال: {وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا} يعني: اخضعوا له خضوعًا.
ويقال: ائتمروا بما يأمركم الله تعالى.
ويقال: لما نزلت هذه الآية، قال المسلمون: هذا لك فما لنا فنزل: {هُوَ الذي يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وملائكته لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيمًا} [الأحزاب: 43].
ثم قال عز وجل: {إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} يعني: اليهود والنصارى حيث قالوا: {وَقَالَتِ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طغيانا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضاء إلى يَوْمِ القيامة كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله وَيَسْعَوْنَ في الأرض فَسَادًا والله لاَ يُحِبُّ المفسدين} [المائدة: 64] ونحو ذلك من الكلمات، ويقال: أذاهم الله وهو قولهم: لله ولد ونحو ذلك.
وإيذاءهم رسوله أنهم زعموا أنه ساحر ومجنون {لَعَنَهُمُ الله في الدنيا} يعني: عذبهم الله في الدنيا بالقتل والسبي {والآخرة} بالنار.
ويقال: هم الذين يجعلون التصاوير.
ويقولون: تخلق كما يخلق الله تعالى: {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} يهانون فيه.
ثم قال عز وجل: {والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} يعني: بغير جرم {فَقَدِ احتملوا بهتانا} يعني: قالوا كذبًا {وَإِثْمًا مُّبِينًا} يعني: ذنبًا بيّنًا.
قال مقاتل: قال السدي: نزلت هذه الآية في أمر عائشة وصفوان.
ويقال: في جميع من يؤذي مسلمًا بغير حق.
وقال عثمان لأبي بن كعب: إني قرأت هذه الآية: {والذين يُؤْذُونَ المؤمنات} فوقعت مني كل موقع، والله إني لأضربهم وأعاقبهم.
فقال له أبي: إنك لست منهم، إنك مؤدب معلم.
قوله عز وجل: {مُّبِينًا يا أَيُّهَا النبى قُل لازواجك وبناتك} وذلك أن المهاجرين نزلوا في ديار الأنصار، فضاقت الدور عليهم.
وكن النساء يخرجن بالليل إلى التخلي يقضين حوائجهن.
كان الزناة يرصدون في الطريق، وكانوا يطلبون الولائد، ولم يعرفوا المرأة الحرة من الأمة بالليل.
فأمر الحرائر بأخذ الجلباب.
وقال الحسن: كن النساء والإماء بالمدينة.
يقال لهن: كذا وكذا يخرجن، فيتعرض لهن السفهاء فيؤذونهن، فكانت الحرة تخرج فيحسبون أنها أمة ويؤذونها، فأمر الله تعالى المؤمنات {أن يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن}.
وقال القتبي: يلبسن الأردية.
ويقال: يعني يرخين الجلابيب على وجوههن.
وقال مجاهد: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} يعني: متجلببين ليعلم أنهن حرائر فلا يتعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة.
قوله: {وَنِسَاء المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ} يعني: أحرى {فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} إذا تابوا ورجعوا، ثم وعد المنافقين وخوّفهم لينزجروا عن الحرائر أو الإماء.
فقال عز وجل: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون} عن نفاقهم {والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} يعني: الميل إلى الزنى إن لم يتوبوا عن ذلك {والمرجفون في المدينة} يعني: الذين يخبرون بالأراجيف.
وكانوا يخبرون المؤمنين بما يكرهون من عدوهم.
والأراجيف: هي أول الاختيار.
وأصل الرجف هو الحركة.
فإذا وقع خبر الكذب فإنه يقع الحركة بالناس فسمي إرجافًا.
ويقال: الأراجيف تلقح الفتنة.
يعني: إن لم ينتهوا عن النفاق وعن الفجور وعن القول بالأراجيف.
{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} يعني: لنسلطنك عليهم، ويقال: لنحملنك على قتلهم.
وروى سفيان عن منصور بن زرين قال: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون والذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ والمرجفون في المدينة} هذا كله شيء واحد.
يعني: أنه نعتهم بأعمالهم الخبيثة.
{ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلًا} يعني: لا يساكنوك في المدينة إلا قليلًا حتى أهلكهم.